الثلاثاء، يوليو 3

الهوي


وبعد غياب عن مدونتي الحبيبة ... آثرت آلا أعود إلا ومعي موضوع جد خطير ، وآفة عظيمة عمت علي قلوبنا جميعاً .. وهي آفة إتباع الهوي ..

وفي الحقيقة فإن الهوي لداء خبيث .. لا يوحي للفرد بأنه مجرد هويً متبعاً لا قيمة له . بل قد يزينه له فيعتقد أنه عبادة وأن المضي قدماً فيه لهو ضرب من ضروب الطاعة ..

ولكي نعرف الهوي تتعريفاً بسيطاً يصل للأفهام بغير عناء ولا مشقة . فإن الهوي هو (المزاج) بلغتنا البسيطة . وهو الذي قد يخالف في الغالب النصوص الصحيحة والقواعد الشرعية المتفق عليها ...

وتأتي خطورة الهوي في أنه نابع من النفس . وتلك هي المشكلة . فإن الشيطان عندما يزين للإنسان الوقوع في معصية فإنه يعنيه أن يجعله يرتكب أية معصية يعصي بها الله . أيًا كانت . لكن النفس تعلم جيداً ما يحب الإنسان وما يتعلق به قلبه . فتهويه إليها وترغبه فيها . فتجعلها مسيطرة علي عقله وفهمه بحيث لا يري أفضل لنفسه غيرها ..

وتلك هي المشكلة ..


وقد تناولت معكم بشكل بسيط آيات النهي عن الهوي في القرآن الكريم وآحاديث الحبيب الدالة علي ذلك ... وأسباب إتباع الهوي وآثاره وعلاج هذا الداء الخطير ..

واسال الله أن يجعلنا ممن يستمعون إلي القول فيتبعون أحسنه . إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

ذم الهوي في الكتاب :

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا[135] سورة النساء .


يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَـوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُـمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [26] سورة ص .


وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى[40]فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[41] سورة النازعات .

وفي السنة

ـ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْت ِوَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ] أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد .




أسباب إتباع الهوى


1-عدم التعويد على ضبط الهوى منذ الصغر .


2-مجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم ، فعن أبي قلابة رضي الله عنه قال : [ لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في صلاتكم أو يلبسواعليكم ماكنتم تعرفون] أخرجه الدارمي ، وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : [ لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، ولا تسمعوا منهم ] أخرجه الدارمي .


3-ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الآخرة ، قال الله تعالى :

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ...[91]سورة الأنعام .


4-تقصير الآخرين في القيام بواجبهم نحو صاحب الهوى ، قال تعالى :

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا[63] سورة النساء

ويقول سبحانه أيضاً :

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[104] سورة آل عمران

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبَ : [ أَعْطِيهَا بَعِيرًا ] ، فَقَالَتْ : أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ. أخرجه أبو داود وأحمد .


5- حب الدنيا والركون إليها مع نسيان الآخرة ، قال الله تعالى :

إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَاتِنَا غَافِلُونَ[7]أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[8]سورة يونس .


6-الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى .



آثار اتباع الهوى


أولاً : آثار اتباع الهوى على العاملين


1-نقصان بل تلاشي الطاعة من النفس .


2-مرض القلب ثم قسوته وموته ، فعن حُذَيْفَةُ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول:
[ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد .


3-الاستهانة بالذنوب والآثام ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَعَلَى أَنْفِهِ قَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ ] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي .


4- قال رب العزة :

فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[50] سورة القصص .


5- الابتداع في دين الله ، فعن حماد بن سلمة قال : [ حدثني شيخ لهم تاب – يعني الرافضة – قال : كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا ]

وعن جابر بن عبدالله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا خطب :

[ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ] أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد.


6- التخبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم : قال تعالى :

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[23]سورة الجاثية .




7- الصيرورة إلى الجحيم وبئس المصير : قال تعالى :

فَأَمَّا مَنْ طَغَى[37]وَءَاثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا[38]فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى[39]سورة النازعات .


ثانياً : آثار اتباع الهوى على العمل الإسلامي


1- ضعف بل تلاشي كسب الأنصار .


2- تفريق أو تمزيق وحدة الصف .


3- الحرمان من العون و التأييد الإلهي .




علاج إتباع الهوى


1-التذكير بعواقب اتباع الهوى .


2-الانقطاع عن مجالسة ومصاحبة أهل الأهواء ، واصطحاب أهل الصلاح .


3-التعريف بالله حق المعرفة .


4-الوقوف على سير أصحاب الأهواء وعاقبتهم .


5-حياطة الآخرين ورعايتهم لصاحب الهوى سواء بالكلام أو الفعل أو العتاب أو التوبيخ أو الهجر أو القطيعة .


6-الوقوف على سِيَر من عُرِفوا بمجاهدة نفوسهم وأهوائهم .


7-التحذير من الركون إلى الدنيا والاطمئنان بها مع الربط الشديد بالآخرة .


8-الاستعانة الكاملة بالله تعالى ، ففي الحديث القدسي : [يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ] أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة من حديث أبي ذر.


9-مجاهدة النفس .


10-التذكير بأن السعادة والراحة والطمأنينة في إتباع المشروع :

فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى[123]سورة طه

فَمَـنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَـوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [38] سورة البقرة .


واخيراً ...... فإن الهوي مهلكة كما قال الحبيب :

(ثلاث منجيات : خشية الله تعالى في السر و العلانية و العدل في الرضا و الغضب و القصد في الفقر و الغنى و ثلاث مهلكات : هوى متبع و شح مطاع و إعجاب المرء بنفسه . ‌)



والله أسأل أن يجعلنا ممن يتبعون الحق ولا يميلوا مع الهوي




هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

جزاك الله خيراً زوجى العزيز ومعلمى الفاضل المهـ إلى الله ـاجر


موضوع أكثر من هام

قال الله تعالى

{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}
(43) سورة الفرقان

وقال أيضاً {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23) سورة الجاثية

فهذه الآيات الكريمة تتحدث عن أناس جعلوا هواهم و رغباتهم و شهواتهم آلهة من دون الله بأن يستجيبوا لأهوائهم ولا يستجيبوا لأوامر الله تعالى .

والهوى قد يكون فكرة ، أو شهوة ، أو عقيدة فاسدة ، أو شهرة .. يخضع لها الإنسان ويتحوّل إليها عن دِينه وعقيدته، وعن إله السماوات والأرض .

وقالَ بعض أهل العلم : معنى هذا { أفرأيت من اتخذ دينه بهواه , فلا يهوى شيئا إلا ركبه ; لأنَهُ لا يؤمن باللَّه , ولا يُحَرِّم ما حرم , وَلا يُحَلِل مَا حلل , إنَما دينه مَا هويته نفسه يعمل به } .


فنسأل الله العافية والسلامة

و كما قال الحبيب صلى الله عليه و سلم
" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

جزاك الله خيراً وبارك لك وفيكي ..ونسأل الله أن يجعل أهوائنا تبعاً لما جاء به نبيه وحبيبه

عصفور المدينة يقول...

طيب بماذا أعلق؟
جزاك الله خيرا
فيه محور هام جدا
وهو التربية وتعويد النفس
ومن نربيهم على الشدة أحيانا وعدم تعويد النفس ومن نربيهم على تلبية كافة المطالب
قال بن عبد القوي رحمه الله

وفي قمع أهواء النفوس اعتزازها

وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد

فلا تشتغل إلا بما يكسب العلا


ولا ترض للنفس النفيسة بالردي

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

دائما ما تكون تعليقاتك طيبة ومثمرة اخي الحبيب عصفور المدينة
والهوي كما قلت لا يتأتي إلا بتعويد النفس وترويضها عليه كما قال الله تعالي : ونهي النفس عن الهوي

نسأل الله ان يعيننا علي إتباع الحق ونبذ الاهواء


جزاك الله خيرا اخي الحبيب .. نورت

لويس الرابع عشر .. والسجين .. وأنت

يُروي أن احد السجناء في عهد لويس الرابع عشر كان محكوماً عليه بالإعدام ومسجون في جناح قلعه هذا السجين لم يبق على موعد إعدامه سوى ...