الاثنين، يوليو 9

حوارات من القلب 2

و أعود فأستكمل الحوار الطويل !!!


سـ : ما معنى الإلتزام ؟

مبدئياً . احيانا قد اتحفظ علي لفظ (إلتزام) لأن البعض تصوره بشكل خاطيء وفرغه من محتواه . ولكني أفضل أن نطلق عليه إسمه الحقيقي (الإستقامة)

أنا عادة ما أحب البساطة . ولا أحب التعريفات المعقدة أو الشاقة . لذا فتعريفي للإستقامة كما عرفها رب العزة في كتابه الحكيم


َاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ

والحديث وإن كان لرسول الله إبتداً إلا أنه امر لنا بالإستقامة علي منهج رب العالمين .

والإستقامة هي العمل علي تنفيذ أوامر الله ورسوله إمتثالاً ، والبعد عن ما نهي عنه الله ورسوله إجتناباً . والفهم الصحيح لدين الله .... الفهم المستمد من فهم سلفنا الصالح له بوسطية وإعتدال . دون تشديد أو غلو

فالإستقامة هي تذكر الفرد منا بأنه عبد . عبد لله . ليس حراً كما يدعي البعض . أو كما يحشرون عقولنا في إعلامنا المشوه .
الإستقامة هي مجاهدة النفس ومقاومتها عن مرادها ونهي النفس عن إتباع الهوي . فكما قال الحبيب (ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوي متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) ..

هذا هو التعريف الأبسط للإستقامة أو الإلتزام في رأيي

فإن تحقيق النظرة الإسلامية في منطلق الأمور الحياتية . والتي هي ليست ببعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه . هي الطريقة الصحيحة الوحيدة التي إختارها الله لنا .

فلو لبس كل واحد منا نظارة الإسلام لينظر إلي الدنيا من ورائها لرأي الكثير والكثير وعرف أنه غالي عند ربه وأنه يحبه ويريده طائعاً في كنفه . وسائراً علي دربه . وساكناً في جناته ...


سـ : ما هى خطوات الإلتزام الصحيحة ؟

المتابع لمنهج القرآن ومنهج الدعوة النبوية سيلمس مدي التدرجية التي إتسم بها الإسلام .. فمن تابع القرآن عرف أنه نزل في مكة وقت أن كان المسلمون حديثي عهد بجاهلية . كان يحتاج لتأليف القلوب . أكثر من فرض التكاليف التي قد تشق عليهم في تلك المرحلة . فعمد إلي تنزيل الآيات التي تحث علي الفوز بالجنة ، والنجاة من النار . وتمحيص القلوب وترقيقها ..

حتي في نزول التكاليف الشرعية نفسها . يحضرني الآن مثل تحريم الخمر . فكم كان المسلمون . ومنهم كبار الصحابة . من شغفه حب الخمر . فلو أمرهم الله تعالى بالبعد عنها مرة واحدة . كان منهم من سيأبي أو يعترض . ولكن الله تدرج بهم في التكليف فبدأ :

يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا

مثل أن يكلمك شخص فيقول لك . يعني إن هذا العمل الذي تفعله . يعني ليس صحيحاً علي الإطلاق أو ماشابه . وهو يعلم أنه خطأ . ولكنه يريد أن يؤلف قلبك . فيعطيك إشارة لطيفة ويتركك ..

ثم نزلت بعدها :

َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً

يعني يشعرهم الله بأن ما قد تعلق به قلبهم قد يحول بين عبادة الله

ثم بعد أن آخذ منهم الأمر مأخذه في قلوبهم وبدوأ يرقوا له قال الله لهم :

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

فجاء الأمر بالتحريم ..

لذا فإن خطوات الإلتزام . ونعني بالإلتزام الذي نسأل الله الثبات عليه . هو أن لا يكلف المسلم الذي اقبل علي الإلتزام نفسه بما لا يطيق . فلا يمكن عقلاً في عصرنا الحالي أن اقول لفلان من الناس وهو يعمل معاصي تنهد من هولها الجبال أن يصبح غداً شخصاً آخر . في يوم واحد فقط . هذا حدث قديماً . ويحدث احيانا في عصرنا الحالي . ولكني أتكلم من منطلق ما أحياه وأراه الآن ..

لكن ينبغي أن يقف مع نفسه وقفة تحديد وجهة . وتقرير مصير . فالحياة سوف تتبدل . إلي الأحسن بلا شك . ولكن ينبغي أن يحدد أكبر المعاصي التي يداوم عليها ويتعلق بها قلبه فيحاول أن يقتل هذا التعلق والمداومة شيئاً فشيئاً حتي يصل لمرحلة الإقلاع النهائي بدون ان تترك تلك المعصية أي رواسب في القلب ..


سـ : كيف يصبح المرء ملتزماً ؟

تلك الجزئية قد تكون متعلقة بما قبلها . ولكن لكي يصبح المرء ملتزماً ينبغي عليه أن يعلم أن الطريق الصحيح هو طريق الله . والفلاح الحقيقي هو الإتباع المطلق لأوامر الله ورسوله .

- المداومة علي الفرائض والصلوات الخمس في جماعة أمر لازم كما لا شك بالطبع أن الإزدياد في الطاعات والأعمال الصالحة أمر حتمي لمن أردا أن يلتزم . ولكن أيضاً بقدر إستطاعته . ومحاولة إلتماس العلم من منابعه الصحيحة وعدم التأثر بالأفكار المغلوطة . وعدم الإجتهاد بدون أدني علم . والسؤال لأهل العلم المختصين

- ينبغي الوقوف علي رأس كل معصية تعلق بها القلب وعلاجها من جذورها لتطهير اثارها في القلب
- وينبغي أن يقدر الفرد منا أن الله لم يضع أحكام الشريعة ليحد من حريته أو يعيقه عن التمتع بحياته . ولكن فقط يريده أن يعرف أن الحياة لا متعة حقيقية لها إلا مع الله وفي منهجه . فهناك متع في الدنيا ولكنها متع متوهمة . فالمعصية قد تعطي إنطباع بالسعادة والمتعة . ولكنها متعة تتبعها حسرة .

- ينبغي أن يعرف المرء منا أن الإلتزام طريقه للعيش بصورة أكثر اماناً . أذكر تعليق لن انساه عمري من أخ . أسال الله ان يهديني ويهديه . اخ وصديق احبه . كان وبكل أسف لا يصلي . رغم أنه كان إنسان طيب القلب . خدوم . ولكن كل هذا لا يعني شيئاً . المهم حاولت أن استميله برفق في موضوع الصلاة وسألته بما معناه أنه لماذا لا يصلي . فأجابني برد لم أتوقعه قط منه فقال لي : لا تعتقد ان الذي لا يصلي يعرف طعم لنوم . فانا لا أعرف أن أنام وانا آمن ..... فمن هذا المنطلق ينبغي أن يعرف المرء منا ذلك .

- الرفقة الصالحة . فالرفقة الصالحة من الوسائل الأساسية المعينة علي الإلتزام . وينبغي أن يختار الفرد منا من يصاحبه . فهو الذي سيعينه وهو الذي سيتعلم منه ما هو طيب ، وقد يتأثر منه بما هو سيء . فالصاحب ساحب كما يقولون .

- هناك بعض الناس بل أكثرهم من ينفر من الملتزمين .. فما هى أسباب ذلك ؟

الجهل عامل مسيطر علي هذا المتعتقد لدي كثير من الناس . فمثلا لو قابل أي شخص رجل يطلق عليه ملتزم ورأي منه ما يكره او ما لا يعجبه . او كان هذا الرجل فعلا صورة سيئة . فينفر كلياً ليس من الملتزمين وحسب . بل والإلتزام كله . وهذا من قبيل تعميم الجزء علي الكل . ورب العزة قال :

وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى

وقد يكون السبب قلة من الذين لهم شكل الملتزمين . وأقول قلة لأنهم كذلك بالفعل . من كان يفهم فهماً خاطئاً ويترجم ما تعلمه ترجمة خاطئة . ولكن وإن كان هناك مثل هؤلاء فليس معني ذلك أن نعمم لأخطاء . هذه نظرة ضيقة للأمور .

وأنا اقول لكل اخ حبيب يقول مثل ذلك .. إن كنت تري خطئأ في اخ لك ولم تستطيع أن تنصحه . فلا تشهر به . ولا تقل أن الإلتزام كله كذلك . وأن هؤلاء كلهم مثل هذا الشخص . لا يا أخي . حاول ان تطبق علي نفسك أنت قواعد الإلتزام الصحيح وكن انت صورة مشرفة له .

سـ : ما هى أهم وأخطر عيوب الملتزمين فى عصرنا هذا ؟

يعتقد ( بعض ) الملتزمين الشباب في عصرنا الحالي . أو الذي بدأ في الإلتزام جديداً أنه أصبح علامة وفقيه مفوه . وذلك لمجرد أنه جالس شيخ أو حضر درساً أو قرأ كتاباً .. أو حتي سمع شريطاً ... فيصير ينتقض هذا . ويجرح هذا . ويفتي هذا . ويجادل هذا . نسي قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ، وينسي الجذع في عينه !
كما أن بعضهم قد يعتقد أن تقطيب الحاجبين وتغليظ الصوت والنظر بحدة ومهاجمة الآخر من مئنة فقهه !!

وهذا كله لا علاقة له بسنة الحبيب


سـ : ما هى حلول تلك العيوب ؟

الحل بمنتهي البساطة هو نقرأ سيرة المصطفي جيداً . وأن نراه كيف كان يعامل الكفار وأهل الكتاب قبل أن يعامل عصاة المسلمين . وقبل أن يعامل المسلمين المؤمنين أنفسهم . حتي نكون دعوة متحركة تمشي علي الأرض

وأقتبس كلمة الشيخ مسعد أنور عندما تحدث في محاضرة (مهلاً أيها الملتزمون) وقال أن كل ملتزم وملتزمة ينبغي أن يعتبر نفسه علي ثغرة من ثغرات الإسلام . وأنه ينبغي عليه أن لا يأتيه الإصابة من ناحيته هو .

فالناس . وخصوصاً في مصر . لديهم إرتباط شرطي ما بين الإلتزام وصورة الدين ككل . يعني إرتباط شرطي بلغة علماء علم النفس ما بين اللحية والنقاب والتدين ( أرجو أن يفهم كلامي هذا بالشكل الذي أردته) بمعني أننا ينبغي . وإن كنا نعمل لله في المقام الأول . ينبغي علينا ان نراعي نظرة غيرنا لنا وأن نحافظ علي ذلك لأننا قد نكون بطاقة دعوة للدخول في الإلتزام ..

ليست هناك تعليقات:

لويس الرابع عشر .. والسجين .. وأنت

يُروي أن احد السجناء في عهد لويس الرابع عشر كان محكوماً عليه بالإعدام ومسجون في جناح قلعه هذا السجين لم يبق على موعد إعدامه سوى ...