حينما كنت أتحدث مع صاحبي وأخي في الله منذ أكثر من سنة وبضع شهور ، كنا نتحدث عن التقلبات المزاجية وعدم الرضا عن بعض الأحوال وما شابه ، فذكر لي بيت شعر لأحد الشعراء لم أنساه حتى الآن
وعينُ الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عينُ السخطِ تبدي المساوئ
والحقيقة أن هذا البيت عظيم المعني والفائدة ، وصدق الحبيب حينما قال : إن من البيان سحرا و إن من الشعر حكما
فإن في حياتنا أمور نقابلها قد تؤثر علي رؤيتنا لبعض المواقف اليومية بالسلب أو الإيجاب ، أحيانا يكون هذا التأثير نابع عن عدم تحديد أو وضع غطاء لقابلية هذا التأثير في قناعتنا ، أو لغياب النظرة الشاملة عند اتخاذ القرارات . فتخرج صادرة من منطلق موقف واحداً فقط وتاركة ورائها جوانب أخري لم ينظر إليها بعين الاعتبار والتقدير ، أو نُسيت في غمار التأثير الأخير للموقف نفسه والذي قد ينسي الإنسان ما سبقه من مواقف أخري
وقد تشكل النظرة الشخصية العامة جانباً من جوانب زيادة الرضا وعدمه في شخصية الإنسان، و قد تلاحظ هذا في قول
كن جميلاً تري الوجود جميلاً
إنه الرضا .. وإنها منهجية الرضا في التفكير .. فإن للفرد المسلم إمكانيات جعلها الله له وحده تمكنه من اقتفاء أثر السعادة في كافة مواقف حياته فيراها بصورتها الصحيحة والتي تجعله يرضي عن ما يجده فيها
وكما في الحديث النفيس للحبيب والذي يقول فيه : عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له
فإن المتأمل لهذا الحديث يجده منهج حياة كامل يعلم المسلم كيف يواجه كل تقلبات الحياة من سعادة أو حزن إما بالشكر تارة أو بالصبر تارة أخري
وهكذا تمضي الحياة بتلك النظرة الراضية المحتسبة لله تعالي فيما يواجه ويقابل فإن في الرضا كل خير وفي القناعة كل فلاح
ويوجه الحبيب نظرنا لقيمة الرضا في حديث آخر فيقول : إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط
تلاحظ أن الحبيب أشار بشكل غير مباشر لأهم الخطوات التي تجعل الله يحبك من خلالها وهي الرضا ، فإن الرضا علي البلاء الذي جعله الله علي عباده الذين يحبهم هو الفيصل ما بين زيادة ورفعة درجاتهم برضاهم أو بزيادة ومضاعفة شقائهم بسخطهم
ولا شك ان أهم نعمة ينبغي ان تزيدك رضا علي رضاك هي نعمة الإسلام التي ميزك الله عن كثير ممن خلق بأن نعمك بها وأكرمك بها . فحينما تكلم الله عن إتمام الدين كقواعد وأصول قال
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً
ً
لاحظ أن الله حينما تحدث عن الإسلام تحدث عن نعمة واحدة ونسبها لذاته ولم يذكر غيرها من النعم الاخري ، وأشار إلي انه رضي بهذا الدين ومن ثم ارتضاه لنا وهذا أقوي باعث علي أن نشكره علي أن اصطفانا أن نكون من امة الإسلام وأن نعمل من اجل أن نجعله منهاج حياتنا ومفتاح فرحنا
وها قد أرشدنا الحبيب في كلمات قليلات إلي أن الرضا بهذا الدين مفتاح من مفاتيح الجنة فقال : من قال رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا وجبت له الجنة
وهو هنا لا يقصد مجرد التفوه اللفظي . بل يقصد أن يكون الرضا قولاً واعتقاداً وعملاً وتصديقاً
والله الذي لا إله غيره .. إن مفاتيح السعادة في الدنيا لمربوطة بشكل وثيق بهذا الرضا الذي نتحدث عنه
فالخلافات الزوجية مثلاً .. أشار الحبيب إلي مبدأ هام منشأه الرضا قد يساهم بشكل كبير في إزالة المعوقات الناشئة عن تلك الخلافات فيقول : لا يفركن مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها غيره
انظر إلي مفهوم عين الرضا .. لا تنظر فقط للجانب الذي لا يعجبك أو لا تحبه . فزوجتك قد تكون أغضبتك أو أزعجتك مثلاً ، ولكنها هي التي ترعاك وتحترمك وتقدرك وتخشي الله فيك وتربي أولادك وتحفظ بيتك ، أوليس هذا بكفيل علي أن ترضي عنها في غير ما يغضبك منها ؟
وإن كان لك صديق وحدث بينك وبينه مشادة مثلاً أو مشكلة في بيان وجهات النظر .. انظر له بعين الرضا . فكم هو يحبك وكم استفدت منه قولاً وفعلاً . وكم رأيت منه خلقاً طيباً وأفضال عديدة
أنظر إلي الشيء المشترك والذي تتفقون فيه وضعه أمامك ونصب عينيك ولا تجعل الاختلافات تجرك لما لا تحب وترضي من الأقوال والأفعال فتقعد نادماً حزيناً
وإن من القناعة بالأوضاع والتسليم بما اختاره الله للعبد فيه كل فلاح كما اخبر الحبيب فقال : قد أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه
ولا شك أن أعظم الرضا هو الوصول به إلي بذل النفس كي تعمل من أجل كل ما يرضاه الله ويحب وهو كمال الرضا
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد
ِ
أن تجعل رضا الله مقدماً عن رضا غيره وان يكون الله عندك أحب أن ترضيه من أن ترضي رغباتك او من تحب ، فلا أحد يستحق أن ترضيه إلا الله
فنسأل الله ان يرزقنا عينا راضية ً ونفساً غير ساخطة ٍ وشكراً لكل نعمةٍ وصبراً علي كل بلاءٍ