كثيراً ما نسمع المقولة التي تقول : ما بين العبقرية والجنون شعرة
ما رأيك بهذه المقولة .. أتراها مقولة صحيحة ام لا ؟
وكثيراً ايضاً ما نري أحد الأشخاص كان لا يتوقع له أحد ان يصلي مثلا أو أن يفعل كذا وكذا ، وهو الآن من السائرين علي طريق ومنهج الله فنتعجب ونقول . ياه .. فلان هذا كان بالأمس القريب كذا واليوم شخص آخر . كان الفارق بين معصيته وطاعته شعرة او خيط رفيع ..وعلي الجانب الآخر .. تجد من أقبل علي الله يصدق وإخلاص فبات يفعل كل الطاعات ويقدم كل القربات ثم فجأة وبدون مقدمات إنتكس .. عاد إلي ما كان عليه في السابق بل وأكثر مما كان عليه .. لماذا ؟ أوليس الإخلاص هو ما دفعه لذلك في البداية ؟ كان بالامس عابدأ واليوم عاصياً فكان الفرق بين ذلك وتلك وكأنها شعرة ايضا وخيطاً رفيع
لفت نظري هذا الامر بشدة فوقفت مع كتاب الله أراجعه فوجدت هذا الموقف المؤيد لما أقول
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين
َ
موقف عجيب .. اليس كذلك ؟
كان هؤلاء السحرة في بداية هذا اليوم من الكفار .. فأراهم الله آية فأنقلبوا مؤمنين موحدين له فكانوا من المؤمنين . ثم إنتهي بهم الأمر ان يقتلوا في سبيل الله في نفس اليوم فكانوا من الشهداء وهم لم يسجدوا لله سجدة واحدة ... تري ما هو السر الذي جعل هذا الخيط الرفيع الذي كان في صدورهم يفصل بين الحق والباطل والكفر والإيمان ينقطع هكذا ؟
موقفاً آخر او مشهد في القرآن الكريم يقول فيه رب العزة
أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا
بين ربنا ان الميت المقصود في تلك الآية قد يكون الكافر الذي اكرمه الله بنور الإيمان أو المؤمن العاصي الذي كان ميتاً في الدنيا ببعده عن نور ربه ، وعندما غير نفسه للأفضل فجعل الله له نوراً . ليس نوراً خاصاً به فحسب بل نوراً يمشي به في الناس فيضييء لمن أراد الله له ذلك ... لاحظ أن حرف الفاء يفيد التعقيب والسرعة
فما الذي قطع هذا الخيط الرفيع الذي جعله من الموت للحياة ... إنه نور رب العزة
فعلاً والله يا اخوة الإيمان .... فإن أي إنسان منا معرض لهذا أو لتلك ... أي إنسان منا قد يتحول من المعصية للطاعة في أقل من ثانية . والموفق من وفقه الله ... وأي إنسان منا قد يتحول من الطاعة للمعصية في لمح البصر .. نسأل الله الثبات ... وهنا تكمن المشكلة ... فكلنا أو معظمنا يعتقد أنه لو وصل لمرحلة ما من المعصية أو الطاعة فلن يتغير للأفضل أو للأسوء
فالشيطان مثلا يوحي لكل عبد يعصي منا .. وكلنا نعصي الله لأننا بشر ... الشيطان يوسوس لنا بان الله لن يتقبل منا توبتنا لأننا نعصيه ونعرف أن هذه معصية ولا تقلع عنها ... فيورث هذا بداخلنا قنوط ويأس من رحمة الله .. وهذا ما يريده الشيطان فنزداد طلباً في المعصية
الشيطان يعرف أن الخيط والحد الفاصل رفيع . فيحاول أن يقويه في أعيننا ويوهمنا بأننا ضعاف أمام أي شهوة او معصية
والله عز وجل يفرح بتوبة العبد منا أكثر من فرح العبد نفسه بتوبته إلي الله
وعلي الجانب الآخر .. فتجد منا من أغراه وأغواه الشيطان ايضاً بعبادته .. تري فلان يصلي جميع الصلوات في جماعة ويحافظ علي اداء النوافل من صلاة وصوم وسار العبادات التي يتقرب بها إلي الله . أو له شكل معين أو هئية معينه .. فيغتر أو ينخدع بنفسه . ويملئه الشطيان سروراً بعمله ..... فيقلبه الله علي عقبيه .. لأنه ظن انه وصل .... بل قد تري من لا يفعل كل هذا .. ولكنه يغتر بأنه أفضل من غيره . او أنه ليس سيئا ... او كما يقول
أتذكر قصة الرجل الذي كان من كتبة الوحي .. وكان يحفظ سورتي البقرة وآل عمران .. وأنت تعلم بالتأكيد فضل هاتان السورتان ... هذا الرجل الذي فتن بإمرأة نصرانية فذهب إليها وقال لها . أريدك لنفسي ... فقالت إذن فتنصر . فقال لها ساتنصر ولكني اريدك ... قالت له إذن إنتظر أبي حتي ياتي وتطلبني منه حتي لا تكون قدقلت لي ذلك كي تنال بغيتك .. قال لها أين والدك . قالت له إطلع إلي السطح وأنتظره وسوف ياتي لك .. واحضرت له لحم خنزيز وخمر . فأكل وشرب حتي سكر .. فترنح من فوق السطح واقعا ومات
أرأيت أن الأمر ليس كما نعتقد
المشكلة الكبري تجدها في من يبرروا أخطائهم ويحاولوا ان يجدوا لها ألف منطق .. فأنت لو سألت إحدي الفتيات مثلا .. لماذا تلبسين هذا الزي الضيق الذي يصف أكثر مما يخفي ؟ أجابت بأنها الموضة . كل البنات تفعل ذلك ... ولو قلت لفلان .. يافلان .. لماذا لا تصلي .. يقول لك . لو أراد الله هدايتي لهداني ..!!!! لا أعرف أحدا من أصدقائي يصلي أو من أفراد أسرتي
التبرير هو أهم الوسائل التي تقوي الخيط الرفيع الذي بين الذنب والمعصية .. فأنظر مثلاً لقول الشيطان عليه لعائن الله .. عندما سأله رب العزة لماذا لم يسجد لآدم حيث امره الله . أنظر لرده المتبجح
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين
ٍ
أليس من الممكن لو كان الشيطان . مثلا . قال تبت إليك يارب .. . أكان من الممكن ألا يحدث ذلك ؟ ولكنه أبي وأستكبر وبررد موقفه بانه يري أنه خير منه لأنه خلق من النار ، والنار أقوي من التراب
المشكلة تكمن في تبرير الأخطاء .. وتجد هذا جلياً واضحاً في قول رسول الله :كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه
فالمجاهر فضلا عن معصيته ، فإنه يجهر بها ويظهرها علي الناس فتكون دعوة لغيره من ضعاف النفوس لفعلها .. وفوق كل ذلك . فإنه قد يبرر معصيته بانواع شتي من التبريرات تزيد من وطأة و حدة المعصية
لذا فالمؤمن الذكي ... الأوآب لربه ينبغي أن يعتاد علي فضيلة الإعتراف بالذنب .... فكثيراً ما نسمع أن إعتراف الجاني في المحكمة يخفف من الحكم .. أليس كذلك ؟؟ لكن عند الله الإعتراف لله رب العزة يمحو الحكم كله ... بل يبدله بحسنات بحجم وعظم الذنب كانت الحسنات
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
ً
فإن التوبة هي إعتراف بالذنب لله رب العالمين وندم عليه ، وتعهد بعدم العودة له مرة آخري
ولتبين النوايا الحسنة فينبغي ان تعقب التوبة عمل حسن وبعكس المعصية . يعني من كان لا يصلي فتاب . فليجتهد أن لا تفوته ركعة أبدأً . ومن كان عاق لولديه فليتفنن في إرضائهم .. ومن كان لا يفعل كذا فليفعله بكل الطرق الطيبة
نتيجة كل ذلك أن يبدل الله كل تلك السيئات القديمة بمثلها . لكن حسنات .. لأن ربنا هو رب غفور ورب رحيم ولذلك كان دعاء سيد الإستغفار له كل تلك المكانه .. لأن العبد يقول :اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
فهو إعتراف صريح لله بانه الخالق . المستحق لعبودية وحده لا شريك له .. هو الوحيد الذي نعوذ به من كل شر وسوء .. وهو المستحق منا بالإعتراف الدائم بنعمه (أبوء بنعمتك) والإعتراف بالذنوب (وأبوء بذنبي) .. وبعد هذا الإعتراف كان رجاء مغفرة رب العزة لأنه لا أحد يملك أن يغفر النوب إلا الواحد الأحد
إخواني في الله
النفس تهوي والقلب يتمني ... والخيط رفيع وضعيف .. فماذا تختار لنفسك .. أتقطع الخيط الذي بين طاعة الله ومعاصيك ... أم الذي بين ذنبك وعفو ربك عليك ؟