الثلاثاء، نوفمبر 13

بَيْن الظَّاهِر وَالْبَاطِن





منذ أن بدأت أولي محاولاتي للسير نحو فهم ديني بشكل أكثر تأصيلاً تعلمت مبدأ لم أنساه منذ أن عرفته بل وقد اثر بشكل كبير في تناولي لكل أمور الحياة من منظور هذا المبدأ


من أصلح باطنه أصلح الله له ظاهره وباطنه


وقال أحد العلماء


من صحح باطنه بالمراقبة زين الله ظاهره بالمجاهدة


الذي علقني بهذا المبدأ هو أنني عشت مع مغزاه بشكل كبير جداً ساهم في تشكيل جانب كبير جداً من جوانب شخصيتي وساعد علي خلق فكرة التوسط في التفكير والتعادل في الأمور دون إفراط أو تفريط أو انحياز أعمي أو أصم


والحقيقة أن هذا المبدأ يداعب ما تخزن في عقولنا في التعامل مع الغير والحكم غالباً بالظاهر، والحقيقة أن نقطة الحكم بالظاهر ليست بالغريبة أو الخاطئة . فنحن كبشر لا نملك من الأمور عادة إلا ظاهرها ونكل أمر الباطن إلي الله سبحانه وتعالي ونقول كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم


إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ


ولكن غالباً ما يكون ظاهر المرء عنواناً لباطنه . ولقد تعمدت أن أحترز في كلامي بالغالب وليس العام لاحتمال وجود عكس ذلك


فإن باطنك إذا كان طاهراً يسبغ الله عز وجل عليك ثوب الطهارة، والجزاء دائما من جنس العمل، فمن من أصلح باطنه أصلح الله ظاهره، أما من أفسد باطنه فلا بد من أن يفضحه الله بعقر داره


وأنا هنا لا أتحدث عن الظاهر الجبلي أو الذي هو جزء من خلقة بني آدم ، فكم من جميل الشكل لا يحمل بداخله أي جمال ، وكم من اسود الوجه يحمل بين أضلعه قلباً ناصع البياض ، ولكني أتحدث عن الظاهر المكتسب أو الذي تأثر بتغيير الإنسان له سواء بالاعتناء أو الإهمال


والذي اعتقده أن المؤمن الذي يزعم أنه صادق الإيمان لا بد له وأن يصلح الجانبين معاً دون أن يشغله جانب عن الآخر لان المؤمن المفترض فيه أنه مختلف عن غيره بخلقه وتعاملاته وتقوية صلته بالله تعالي


فإن من عباد الله من إن إذا رأيتهم ذكرت الله، وإذا سمعت أصواتهم علمت أنهم يخشون الله ، هؤلاء هم القوم الذين علموا أن باطنهم وما في صدورهم لغة حقيقية لما تترجمه ألسنتهم وأثر صلاح باطنهم علي سيماهم ووجوههم فتراهم تعرف في محياهم الصلاح بل تحبهم وتألفهم أسرع من غيرهم ، هؤلاء القوم علموا ان الله تعالي يقول


وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً


وقد تجد أن التشابه في ظاهر بعض فئات الناس يورث نوع من التآلف بينهم، واقرأ معي هذا الكلام النفيس والعبقري لشيخ الإسلام في هذا النقطة


أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين ، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمر محسوس ؛ فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ، واللابس لثياب الجند المقاتلة - مثلا - يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ، ويصير طبعه متقاضيا لذلك ، إلا أن يمنعه مانع ومنها : أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب متباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال ، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان ، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين

انتهي كلام شيخ الإسلام


والهدي الظاهر : هو ما يظهر من سلوك الإنسان وشكله ، أو يحسه مَنْ حوله من أنماط السلوك والتصرفات القولية والعملية كالأكل ، والشرب ، والكلام ، واللباس ، والتعامل مع الآخرين ، وممارسة الحياة العملية ، والتعبير عنها . أما الهدي الباطن فهو ما لا يدرك بالحواس : من النوايا والاعتقادات والأفكار ونحوها ، ما لم يعبر عنها بقول أو فعل


والملاحظ أن كل إنسان منا لديه جهتان مهمتان يستقبل أو يرسل أو يرصد من خلالهما كافة المتغيرات من حوله وهما الجانب البصري المتمثل في رؤية الظواهر من حوله والجانب السمعي المتمثل في استقبال الظواهر المسموعة ، وكلنا مسئولون أمام الله ثم أمام أنفسنا عما يستقبله غيرنا أو ينطبع عنده تجاه الواحد منا ولا يستقيم أو لنقل (المفترض) أن لا يستقيم أن يُظهر الواحد منا خطئاً أو جرماً ما عن تعمد وتقرير ثم يبرر بأن هذا لا علاقة له بأصل التكوين الشخصي وإنما هو الرأي والفكرة


وقد تترجم هذا الكلام في حديث الحبيب صلي الله عليه وسلم عن الجليس الصالح والجليس السوء


إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة


ولاحظ براعة الوصف النبوي في تشبيه الصالح والسيئ في الجليس بمثالين لظاهر شخصيتين ساهما في إخراجه بأنفسهم وشاركوا في إخراج الانطباع المرسل عنهما من خلال الوصف النبوي لهما


ما وددت آن أقوله وأبينه حسب فهمي لنظرية الظاهر والباطن أنك لو أحضرت أناء نظيف الظاهر والباطن ووضعت فيه عصيرا فلن يصب لك بالتأكيد إلا عصير .. ولو وضعت فيه غير ذلك فلن يخرج إلا ما تعمدت أن تضعه فيه ، فكل إناء بما فيه ينضج . ولو تغير هذا العصير الحلو بغيره من الخوالط لتغير الخارج من الإناء والأمر مرجعه إليك


والمفترض أن المسلم حسن الظن بأخوه المسلم ولكن لا يعني ذلك أن تعتقد أنه لا بد وان يعذرك الناس دائماً إن كان كل ما يظهر منك يساهم في زيادة سوء الظن تجاهك


ويحضرني قول الملهم الفارق عمر بن الخطاب والذي أعتبره منهج كامل


من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به




وفي النهاية ينبغي أن أعترف بان هذه التدوينة كان سيتفرع منها نقاشات جانبية خارجة من فكرتها حول أمور من الحياة الواقعية ولكني آثرت أن يأخذها كل من سيقرئها بالشكل الذي سيوجهه هو بما لمسته لديه أو لفت انتباهه فيها

هناك 16 تعليقًا:

غير معرف يقول...

أخى الفاضل الكريم : المهاجر إلى الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جميل أن يعيش الإنسان حاملاً لمبادئه والأجمل أن يسعى لنقلها لغيره فى حب وإيثار
وخاصة إذا كانت مبادئ طيبة ومباركة
جزاك الله خيراً
وجعلنا وإياك ممن يسيرون على الصراط المستقيم
بالفعل القويم
بارك الله فيك وأعزك
أخوك
محمد

عصفور المدينة يقول...

جزاك الله خيرا
وأيضا هذا الإناء إذا كان به عصير وكان ظاهره ملوثا فلن يجرؤ أحد أن يشرب منه

محمد عبد الرحمن يقول...

السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
من أجمل ما قرأت فى السنين الثلاث الأخيرة هذا الطرح الممتع بل والهادف
بارك الله فيك
لكن ألست معى أخى الكريم أننا محتاجون لفطنة كبيرة فى واقعنا المعاصر مع كثرة المتشبهين باهل العلم لنميز الغث من السمين
أنار الله بصيرتك

فرنسا هانم يقول...

ربما لا يفترق الهدى الظاهر عن الهدى الباطن
ولكنى ارى ان الهدى الباطن انفس لانه نبع من جلاء القلب ونقاء الروح
ويتولد عنه الهدى الظاهر
لانه اذا صفى الروح صفى ظاهره

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

السلام عليكم

الحبيب أ/ محمد الجرايحي

جزاك الله خيرا علي لطفك البالغ وادبك الجم وكلامك الجميل . وانا احبك في الله سيدي


الحبيب المهندس عصفور المدينة

صدقت يا بشمهندس فانت تناولت بمنتهي البساطة والذكاء المراد بالتدوينة بإختصار . جزاك الله عنا خير


الحبيب طال الليل

شرف لي اخي الحبيب أن اعجبك الطرح والفكرة . ونحن فعلا نحتاج لتلك الفطنة التي تذكرها وهي تتأتي بمعرفة العلماء الحقيقيين حتي يربي لدينا قدرة التمييز بينهم وبين غيرهم


الأخت الفاضلة فرنسا هانم

المفترض لدي كل مؤمن حريص ان لا يفترق عنده الظاهر والباطن اختي . والهدي الباطن انفس فعلاً كما ذكرتي ولو نفس وطهر لأنتخ ظاهراً طيبأ


جزاكم الله خيرا جميعاً

نوري يقول...

بسم الله ماشاء الله مدونه فعلا في قمه الجمال والروعه وهدفها رائع جدا
جميل انه يكون عندك علم ومعرفه وتهدف لنشرهم وانا اول مره الاحظ مدونه بهذا الشكل وهذه الفكره واكيد من النادر وجود مثل هذه الكتابات الهادفه واتمنا لك التوفيق اكمال المسيره
في نشر ثقافتك ومعرفتك
وشكرا ع امتاعي بهذه المشاركه
جزاك الله الف خير

مدحت محمد يقول...

ماشاء الله
جزاك الله خيرا
والله كلامك مشهودله بحديث سيدنا النبى
اذا رايتم الرجل يعتاد المساجد
فاشهدو له بالايمان
او كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بس مش على طول الظاهر بيبقى مراة للباطن
احيانا فى منافقين فضحهم ربنا فى القران
واذا لقو الذين امنوا قالو امنا
واذا خلو الى شياطينهم قالوا انا معكم
انما نحن مستهزءون
الظاهر مراة للباطن
اكيد
ولازم يتفقو مع بعض
فالاصل
انى الظاهر كويس يبقى الباطن كويس مالم يثبت العكس
والظاهر وحش فالباطن وحش
حتى يهديه الله
تحياتى لصاحب البوست
وتقديرى
واحترامى
السلام عليكم

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

السلام عليكم

الاخت الفاضلة نوري

جزاك الله خيرا علي كلماتك الجميلة والطيبة . والحمد لله ان انتفعت بالمدونة وبالتدوينة .. وأبشري اختي فالمدونات الهادفة كثيرة جدا ولدي إخواننا هنا المزيد والمزيد منها . ولقد حاولت ان اضع بعضها عندي كي يعم النفع


جزاك الله خيرا

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

الأخ الفاضل doha

جزاك الله خيرا علي ردك الطيب ..
وفعلا اخي فكما قلت أن الظاهر ليس بالضرورة ان يدل علي الباطن في بعض الأحوال كحال كل المنفاقين ، ولذلك فأنا احترزت بكلامي بالغالب وليس العام

وبخصوص حديث : إذا رايتم الرجل يعتاد المساجد .. فهو حديث ضعفه أهل العلم (:


جزاك الله خيرا علي مرورك

محمد جمعه يقول...

بارك الله فيك
جزاك الله خيرا على هذا الكلام

اخى يشرفنى زيارتك فى مدونتى

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

السلام عليكم

الاخ محمد جمعة

جزاك الله خيرا علي مرورك وإن شاء الله ازورك في مدونتك أخي

بذرة امل يقول...

جزاك الله خيرا
موضوع جميل
ويشغل بالنا كثير ولكن نرى ان الهدى الداخلى والخارجى يجب ان يتكامل كل منهم مع الاخر

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

السلام عليكم

الاخت بذرة أمل

جزاك الله خيرا علي مرورك الطيب ، والأمر كما قلتي اختي وهدفنا ان نحاول أن نساهم في هذا التكالم بين الظاهر والباطن

جزاك الله خيرا

Maha يقول...

موضوع هام جدا :)

بارك الله فيك على اثارته

إصلاح الباطن يشمل الإخلاص والقلب السليم

والقلب السليم هو تذكرة الجنة بإذن الله

والإخلاص هو نصف شروط قبول العمل .. والنصف الآخر موافقة العمل للسنة والشرع

فالاخلاص سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده

أمر هام جدا إصلاح الباطن

جزاكم الله خيرا على الموضوع وعلى التذكرة :)

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

جزاك الله خبرا اختنا مها ... وكما قلت فإن صلاح الباطن هو صلاح للباطن والظاهر معاً . وهو السبيل الوحيد للنجاة


جزاك الله خيرا علي مرورك الطيب

غير معرف يقول...

تنسيق كليات و معاهد الهندسة الخاصة 2013
كليات الهندسة الخاصة فى مصر بالمصاريف 2013
اسعار كليات و معاهد الهندسة الخاصة 2013
مصروفات الدراسة بالكليات و المعاهد الخاصة 2013
صور بيجامات صيفي حريمي 2013
صور فساتين زفاف للمحجبات 2013
صور فساتين زفاف 2013
صور فساتين سواريه 2013 , صور فساتين سهرة 2013
فساتين سواريه للمحجبات 2013 , فساتين سهرة للمحجبات 2013
صور كلاب 2013 , صور كلاب مفترسة 2013 , كلاب بوليسي 2013
مصروفات المعهد العالي للهندسة و التكنولوجيا بالبحيرة 2013
مصروفات المعهد العالي للهندسة و التكنولوجيا بدمياط الجديدة 2013
مصروفات معهد الدلتا العالي للهندسة و التكنولوجيا بالمنصورة 2013
مصروفات المعهد العالي للهندسة و التكنولوجيا بطموه الجيزة 2013
مصروفات معهد الاهرام العالي للهندسة و التكنولوجيا 2013
وصفات طبيعية لتبييض البشرة

لويس الرابع عشر .. والسجين .. وأنت

يُروي أن احد السجناء في عهد لويس الرابع عشر كان محكوماً عليه بالإعدام ومسجون في جناح قلعه هذا السجين لم يبق على موعد إعدامه سوى ...