عندما كنت أعيش في الدنيا كجسد بغير روح كانت تمر علي الأزمة تلو الأزمة والنكسة تلو النكسة والمعصية تلو المعصية فكان لا يلفت نظري دوران الدنيا من حولي ولا يهتز لي رمش مما يحدث أمامي بل كنت لا ألحظ أصلاً أن هناك أمورا ما قد تفسد علي قلبي أو تزيد نفسي تغافلاً
كانت الحياة تمر علي مر السحاب . فكل يوم كان مشابه لما قبله بل يكاد يتطابق تقريبا مع ما بعده . كانت حياة أشبه منها بالموت . كنت شخصأ آخر من الذي يطلق عليهم الموتي الاحياء
كنت احد هؤلاء المغرورين الذين يظنون أن السعادة في الدنيا وأن اللذة في الأكل من ثمراتها غير عابيء بأن الثمرة تحتفظ بداخلها ببذرة شديدة المرارة والألم
أذكر هذا لنفسي الآن مذكراً ومنبهاً لها ومحاولاً للفت أنظارها وعارضاً أمام عينيها تفاصيل شغلت جزء كبير من سنين عمرها . ومستعرضاً لنعم الله عليها ومحذراً لها من الميل والإعراض والتفريط
أذكرها بما كانت فيه وما أصبحت اليوم عليه من نعم لا تحصي .. ومن عطايا لا تجزي .. ومن ستر لم يهتك ومن إمهال لا يتعجل
أتلو علي مسامعها قول خالقها لعلها تعي وتقدر قيمة الفضل الذي إمتن الله به عليها وتقدره ولا تبيعه بغرض زائف زائل من أغراض الحياة الدنيا
لعلها تتذكر أن ما هي فيه هو من عند الله وبمشيئته ومرضاته فلا داعي للكبر ولا مجال للعجب والفخر فبدون عفو وفضل خالقها ما كان لها أن تعود للحياة مرة أخري
أصف لها الحالة التي كانت تهيم بها في طرقات الحياة وهي فيها وحجم التغير الذي طرأ عليها فخلق بداخلها نفس جديدة و روح وليدة وذاقت ولأول مرة معني الحياة السعيدة . فأتلوا علي مسامعها دوما قول رب العزة
أحذرها من تفريط قد يمزقها ومن معاصي قد تدمرها وانبهها إلي أن ستر الله عليها قد يتبعه هتك لما قد تظنه مستوراً و أشفق عليها من تغافلها عن عدم التدبر في حلم ربها بالرغم من معاصيها التي تتوب منها كل يوم وتقترفها ايضا كل يوم . اهتف بها وأصرخ فيها وأقول لها قول القائل
وفي نهاية كل يوم يمر عليها لم يقبضها الله فيه أرجوها وأبكي بين يديها ان تصحو من غفلاتها وأن تكف عن هزيانها وأن تتوقف عن إهمالها .. واطلب منها ان تكون لي خير نفس تصاحب مسلماً حتي أنعم بها في جنات النعيم