الإسلام دين عظيم .. وهذه حقيقة أحببت أن أبدأ بها كلماتي .. فأنت لا تلبث ان تستشعر عظمته في عبادة إلا ووجدتها في أخري .. ولا تكاد تعجب بحكمة الخالق في قربة له شرعها إلا وإنطلق لسانك بالتسبيح تقديساً لملك الملوك جل جلاله علي عظيم نعمته التي أمتن بها علي البشرية بإرتضائه للإسلام دين وشريعة و منهجاً
والعظيم في الإسلام أنه يعطي للمؤمنين به حق الإيمان إمكانات إيمانية وروحانية خاصة لا يمكن بلوغها إلا بالتلبس بالدين عقيدة وعبادة وأخلاق وبتغذية القلب و شحنه بالإخلاص والإتباع
والذي تلحظه من وقاية الإيمان لأصحابه وعصمة العبادات لهم من الوقوع في الزلل أو التردي في حفر المعصية لهو أمر عجيب .. وفريد .. ويستحق الملاحظة
يقول الله تعالي في سورة يُونس
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{26} وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{27}
لحكمة من حكيم عليم بشئون عباده . لم يرد الله أن تقتصر العبادات والطاعات والبعد عن المعاصي علي مجرد الثواب الآخروي وحسب .. ولكنه أرادها متعدية لاكثر من ذلك بأن جعلها عاصمة وواقية من الوقوع في شرك المعاصي التي تورث الذل في الدنيا والآخرة ودخول النار – أعاذنا الله منها
فالإيمان عاصم وحامي وواقي للمؤمن من الإنزلاق في حفر الذنوب ومنقذ له إن ذل مرة ووقع فيها قبل ان تلتهمه المعاصي و يبتلعه الهوي ، فلا يملك المؤمن التقي من أمر معصيته إلا ان يستدعي الإيمان من داخله فيلحقه وينجيه
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
سورة الأعراف201
ولذك تجد فكرة العصمة الوقائية للعبادات بإختلاف نوعها من طريق مباشر او غير مباشر في كلام الله وكلام رسوله ، فيقول رسول الله في الحديث الذي حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع
الصيام جنة و هو حصن من حصون المؤمن و كل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله : الصيام لي و أنا أجزي به .
ويقول أيضا في الحديث الصحيح
الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال .
ولا شك أن العبادات بإختلافها وتنوعها هي مطهرة للمؤمن و منقية له من شوائب المعصية والذنوب مصداقاً لقول رب العزة في حق الصلاة
وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
سورة هود 114
وكذلك شأن كل العبادات سواء كانت عبادات الجوارح او القلب . كلها تهدف لخلق حالة من الحماية الدائمة للمؤمن من الوقوع فيما لا يرضاه الله ورسوله له
ومن فضل الله علي المؤمنين أن جعل الرحمة لهم عصمة من التردي في النار .. وتجد هذا المعني ظاهراً في قول الله علي لسان نبيه نوح عليه السلام وابنه في مشهد الطوفان
والعصمة التي نتحدث عنها ونتناولها إنما هي عصمة مؤقتة مسببة متي كان المسلم متمسك بالإيمان والتقوي ، وليست هي العصمة الكاملة التي عصم الله بها حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من الوقوع في المعاصي والزلل مطلقاً . فإن رب العزة شرف نبيه بأن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وكرمه بما لم يكرم به أحد من عباده
فمن ثم ... فإن إيماننا يحتاج لإستزادة ... وإسلامنا يحتاج لفهم وفقه ووعي ، ومن ثم تعبد صحيح بما شرعه الله وإرتضي أن يعبد بالطريقة التي أراد .. وبالشكل الذي بينه لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ن ولا يتحقق ذلك إلا ان زدنا التمسك بوقاية الإيمان وحمايته لنا
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
سورة آل عمران103