الأربعاء، ديسمبر 24

الدرع الواقي


الإسلام دين عظيم .. وهذه حقيقة أحببت أن أبدأ بها كلماتي .. فأنت لا تلبث ان تستشعر عظمته في عبادة إلا ووجدتها في أخري .. ولا تكاد تعجب بحكمة الخالق في قربة له شرعها إلا وإنطلق لسانك بالتسبيح تقديساً لملك الملوك جل جلاله علي عظيم نعمته التي أمتن بها علي البشرية بإرتضائه للإسلام دين وشريعة و منهجاً

والعظيم في الإسلام أنه يعطي للمؤمنين به حق الإيمان إمكانات إيمانية وروحانية خاصة لا يمكن بلوغها إلا بالتلبس بالدين عقيدة وعبادة وأخلاق وبتغذية القلب و شحنه بالإخلاص والإتباع

والذي تلحظه من وقاية الإيمان لأصحابه وعصمة العبادات لهم من الوقوع في الزلل أو التردي في حفر المعصية لهو أمر عجيب .. وفريد .. ويستحق الملاحظة

يقول الله تعالي في سورة يُونس

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{26} وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{27}

لحكمة من حكيم عليم بشئون عباده . لم يرد الله أن تقتصر العبادات والطاعات والبعد عن المعاصي علي مجرد الثواب الآخروي وحسب .. ولكنه أرادها متعدية لاكثر من ذلك بأن جعلها عاصمة وواقية من الوقوع في شرك المعاصي التي تورث الذل في الدنيا والآخرة ودخول النار – أعاذنا الله منها

فالإيمان عاصم وحامي وواقي للمؤمن من الإنزلاق في حفر الذنوب ومنقذ له إن ذل مرة ووقع فيها قبل ان تلتهمه المعاصي و يبتلعه الهوي ، فلا يملك المؤمن التقي من أمر معصيته إلا ان يستدعي الإيمان من داخله فيلحقه وينجيه

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ

سورة الأعراف201

ولذك تجد فكرة العصمة الوقائية للعبادات بإختلاف نوعها من طريق مباشر او غير مباشر في كلام الله وكلام رسوله ، فيقول رسول الله في الحديث الذي حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع

الصيام جنة و هو حصن من حصون المؤمن و كل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله : الصيام لي و أنا أجزي به . ‌

ويقول أيضا في الحديث الصحيح

الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال . ‌

ولا شك أن العبادات بإختلافها وتنوعها هي مطهرة للمؤمن و منقية له من شوائب المعصية والذنوب مصداقاً لقول رب العزة في حق الصلاة

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ

سورة هود 114

وكذلك شأن كل العبادات سواء كانت عبادات الجوارح او القلب . كلها تهدف لخلق حالة من الحماية الدائمة للمؤمن من الوقوع فيما لا يرضاه الله ورسوله له

ومن فضل الله علي المؤمنين أن جعل الرحمة لهم عصمة من التردي في النار .. وتجد هذا المعني ظاهراً في قول الله علي لسان نبيه نوح عليه السلام وابنه في مشهد الطوفان

قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ سورة هود 43

والعصمة التي نتحدث عنها ونتناولها إنما هي عصمة مؤقتة مسببة متي كان المسلم متمسك بالإيمان والتقوي ، وليست هي العصمة الكاملة التي عصم الله بها حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من الوقوع في المعاصي والزلل مطلقاً . فإن رب العزة شرف نبيه بأن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وكرمه بما لم يكرم به أحد من عباده

فمن ثم ... فإن إيماننا يحتاج لإستزادة ... وإسلامنا يحتاج لفهم وفقه ووعي ، ومن ثم تعبد صحيح بما شرعه الله وإرتضي أن يعبد بالطريقة التي أراد .. وبالشكل الذي بينه لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ن ولا يتحقق ذلك إلا ان زدنا التمسك بوقاية الإيمان وحمايته لنا

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

سورة آل عمران103

الأربعاء، ديسمبر 3

الهروب ... من الواقع !!!


عندما تزيد رقعة الإحتكاك بالبشر تزيد المعرفة بأنماط وسلوك العديد منهم . سواء أكان هذا الإحتكاك مباشر كالتعاملات الحياتية العادية او غير مباشر عن طريق وسائل الإعلام المختلفة كالإنترنت أو القنوات الفضائية أو الجرائد او الكتب وتختلف قدرة كل نمط من البشر علي وصل أو قطع علاقته بالله ، بل تختلف قدرة تلك الانماط في قدرتها علي تحديد شكل الإله الذي يريدون ان يعبدوه . قد يكون تعليقي غريب بعض الشيء .. ولكنها الحقيقة كما أراها

من تلك الانماط التي تعاملت معهم والذي يعد من أعجب ما رأيت من الأنماط وسلوك البشر .. هم الملحدين أو اللادنيين فكرة المجاهرة بالإلحاد واللادينية لم تكن ظاهرة في مجتمعنا العربي مثل ما تظهر الآن . قد يكون وبال الإنفتاح الغير منضبط مع غياب القدرة الحكومية علي ترسيخ مباديء التدين والإسلام الحقيقي هو سبب رئيسي في إعلان الكثيرون عن منهجهم المنحرف بمنتهي الصراحة والجراءة .. واحيانا الوقاحة

والحقيقة أن الملحد هو في الحقيقة شخص ضعيف العقل والقدرة .. مهما اعتقد أنه صاحب فكر أو ذكاء أو غيره .. فقطبي الإلحاد الاكبر هما الجهل والهوي ... فالجهل ضعف وقصور بالتفكير . أو لنقل عدم القدرة علي توجيه العقل توجيها متوافقاً مع المعطيات الصحيحة فينتج عن ذلك إحدي أمرين .. الأول ان لا يقف الجاهل عند حدود عقله الفقير ولا يحاول ان يتعلم كأي جاهل يحترم نفسه ! أو يقدس جهله ويعتقد ان عدم فهمه للأمر هو فكر وفلسفة خاصة به ! بل ويبرر ويدعم جهله بعدة تبريرات هزلية لا تتوافق إلا مع عقل فقير لا فهم فيه ونسي ان ترجمة ما فعله بمنتهي البساطة هو الهروب من الواقع ، والثاني أن يعترف بجهله وغياب علمه ويحاول أن يتعلم كيف يفهم ويستوعب الامور بشكل صحيح

أما الهوي فهو المهيمن الاكبر في تلك المسألة .. غالبية الملحدين إذا رأيتهم تجد فيهم شذوذا أو ميلا كبيراً لمعصية من المعاصي كالشذوذ الجنسي أو الزنا أو المخدرات أو غيرها من الإنحرافات المدمرة الاخري والتي هي محرمة ولا شك في شتي الرسالات السماوية بداية من اليهودية وختاما بالإسلام . وهذا امر طبيعي لأن الدين كله واحد مرده ومقصده الاول والاخير هو الإسلام .. تجد الملحد وقد أًشرب قلبه وهواه بحب تلك المعصية .. والمعاصي بريد الكفر كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكما قال رب العزة حاكيا عن بني اسرائيل


ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (البقرة61)

ونظر الملحد فوجد ان دينه ينهاه عن تلك القباحات فكره دينه . وعلم أن ربه سيحاسبه علي تلك الكبائر فبدل من أن يتوب إليه كره ربه . واختمرت في عقله فكرة شيطانيه ان الإنخلاع من عباءة الدين هو الحل الوحيد للتخلص من عبأ التكاليف الشرعية التي لا هدف لها إلا ضبط النفس السوية وردها إلي الحق إن مالت عنه . وهو بذلك كالذي يمشي في طريق فوجد سيارة مسرعة أمامه فبدل من أن يتفاداها وضع يده علي عينيه ظناُ منه أنه بذلك انهي المسألة وارتاح من موقفه وعدم قدرته علي التعامل معه .. أعتقد انها حماقة لا نظير لها !

والعجيب والمضحك في الامر ذاته أنهم مقتنعين بأنه ليس هناك إله واحد يخلق ويحيي ويميت ويبعث ويحاسب ، بل أن أغلبهم علي قناعة تامة بأنه جاء إلي الدنيا بالصدفة البحته وانها الطبيعة وأنها المادة . وأنه كل شيء فيما عدا أنه خُلق !! لأنه لو أقر بذلك فلا بد وان يقر بان الله سيعاقبه علي مصائبه ! والشيطان يري ان تلك الإنماط المنحرفة من البشر واحدة من أكبر حقول التجارب للوسائل الشيطانية في الصد عن دين الله . فهم المنتج الأكبر لأغلب الشبهات التي دارت حول الإسلام والهجمات الغير منضبطة عليه بأي ضابط علمي أو اخلاقي .. و تجد أن الملحد ما إن تقنعه بأمر ما فتراه يقفز في وجهك بشبهة أخري هي في الحقيقة ليست مشتبهة إلا عليه وحده لان الله قد طمس علي قلبه وران عليه فلا يؤمن بشيء أبداً وإن رآه بعينه .. لأنه لو آمن لاستلزم عليه ان يعترف بما ذكرته سابقاً


قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ (سورة يونس101)

ينبغي ان يعترف الملحد أن قصور عقله هو الذي أوقعه في ما هو فيه الآن من أمرين .. الاول انه لم يعترف بان عقله قاصراً اصلاً امام كلام الله وسنة نبيه وأنه انفرد بعقله يبحث ويفند فتاه لأنه لم يعطي لعقله قدره الطبيعي ، والثاني انه عندما رأي الآيات لم يحاول ان يفهمها أو يؤمن بها أصلا لأنه أغلق هذا العضو في رأسه وهو العقل


لذا فنصيحتي لك أيها الملحد !!


إُيمانك بعدم بوجود الله ليس معناه أنه غير موجود فعلاً !!!

لويس الرابع عشر .. والسجين .. وأنت

يُروي أن احد السجناء في عهد لويس الرابع عشر كان محكوماً عليه بالإعدام ومسجون في جناح قلعه هذا السجين لم يبق على موعد إعدامه سوى ...